الأحد، أبريل 29، 2007

نقد وتحليل لمجموعة بلا ثمن تاليف عبد الحكيم محمود للاستاذ جمال سعد






: تشكل مجموعة ( بلا ثمن ) بانوراما فنية من تناغم الهموم الاجتماعية والإنسانية ، يسعي عبد الحكيم محمود ليفسح مجالاً واسعاً للتخيل والحكاية و القص ، وأهم ما يميز هذه المجموعة الدخول مباشرة فى حيز الفعل القصصى دونما مواربة ، ووضع القارئ فوراً فى إطار الزمان والمكان والحدث القصصى بطريقة لا تكلف فيها ولا افتعال ، ويبرع القاص فى إقامة علاقة حميمية بين أبطاله والمكان الذى يعيشون فيه ، بحيث يغدو المكان بطلاً قصصياً له حضوره المميز فى العمل الفنى ، ويكون هناك نوع من الإيقاع والتوقيع المميز بين الإنسان والمكان ويتماهي الاثنان فى جمالية ساحرة : ( باسم يحب " بيبو " ، ويحب دائما أن يقلده ، كان دائما يتمني لو كانت لديه كرة كاوتش ليفعل مثلما يفعل بيبو ، وها هو حلمه يتحقق .. لكن صوت الانفجار كان رهيباً !! ودون أن ندرى ، وجدنا وجه باسم الأبيض المصقول تلطخ بالدماء وضاعت ملامحه .. ) قصة لعب عيال ص 12 .ما يميز هذه القصة عفويتها وبساطتها وبعدها عن الخطابية والشعارات الجوفاء وهنا تكمن أهميتها وتفوقها . أما قصة ( الشهيد ) فلعلها القصة الأكثر تميزاً فى المجموعة وذلك من حيث التركيز الدقيق فى وصف الحالة النفسية المتأزمة لبطل القصة ورصد أدق تفاصيل الشعور الإنسانى .. ( صرعته ..نعم صرعته وثبت نحوه بكل ما أوتيت من قوة ، أسقطته أرضا، انغرست أظافرى فى عنقه وخر صريعا " إن الحدث القصصى بسيط فى تركيبه ، لكن القاص يصب خبراته فى سبر الأغوار النفسية لبطله وخوفه الشديد وتوتره ، ويفضح القاص فى هذه القصة كل أشكال وأساليب القمع والبطش التى يمارسها الصهاينة ضد أبناء الشعب الفلسطيني . وما يلفت النظر فى هذه المجموعة هو حرص الكاتب على إقامة علاقات المفارقة والتباين داخل الحدث القصصى ، وكذلك خواتيم القصص التى تجئ مباغتة ومفاجئة ففى الوقت الذى تسير فيه الأحداث باتجاه معين تفاجئنا الخاتمة وكأن القارئ على موعد مع انتظار ما لا ينتظر . ويولى عبد الحكيم محمود عناية واضحة للغة القصصية منطلقاً من دورها الدلالى والسياسى ، وتوظيفها فى رسم ملامح الشخصيات وأبعاد الزمان والمكان ولا يغفل الجانب الجمالى فتتداخل المهمة الوظيفية للغة بالمهام الجمالية ويتمازج الشعرى بالقصصى ، ليشكل تجانساً لغويا جميلاً ولافتا للنظر ، ويحسن عبد الحكيم محمود اقتناص هذه الفرص اللغوية ويوظفها فى صالح نصه القصصى . والتزام الكاتب بتسليط الأضواء على الجانب الأخلاقى فى حياتنا جعل أغلب شخصيات قصصه ممتثلة لواقعها ، لا تألو جهداً من أجل تغييره ( قصة لا أسمع .. لا أتكلم ص 13 ) كماأنه أضطر إلى اختيار معظم أبطاله من الشخصيات المثالية ، أو ذات الأحاسيس المرهفة ، وهي فى الغالب شخصيات نمطية ، تكاد تحكي نموذجاً واحداً ابتكره القاص وتتحدد خصائص هذا النموذج فى أنه أخلاقى المنحى مثالى السلوك وتسير حياته فى خط مستقيم ، وإذا ما اعترضته صعاب ، يتغلب عليها بعزيمته وإرادته ، وإذا أخطأ الطريق يرتد إلى الحضيض ، وقد ينهض من كبوته إذا وجد الحاضر ( قصة بلا ثمن ص 25 ) . والعلائق بين الشخصيات يتوسم الكاتب أن تحمل فى طياتها وشائج الرحمة والعطف ، والمشاعر الكريمة ، ففى معظم قصصه يؤكد على المثل الأعلى والنموذج المحتذى من خلال شخصية ما وتقابل الشخصيات المودة بمثيلتها ، وما دامت الشخصيات سوية الخلق فهي سوية الخلقة أيضا فلا يحفل عبد الحكيم محمود بإبراز صفات جسمية لتلك الشخوص فقط يذكرها بحكم انتمائها الأسرى أو وظيفتها ولا يعرج على الوصف الجسمانى ، فتتشابه شخوصه جسمياً وخلقياً لأن هناك خطاً واحداً يراد التعبير عنه وهو المبادئ والمثل العليا والأخلاقيات
جمال سعد محمدعضو اتحاد كتاب مصر





ليست هناك تعليقات: