الأحد، يوليو 17، 2011

شــجرة الحــرية


راما العجيب
كان الهدهد راما محبا للسفر والتجوال فى بلاد الله الواسعة، ولكنه بعد كل مرة كان يشعر بالحنين إلى
وطنه فيعود ليلقى إخوانه وأصدقاءه محملا بكثير
من الحكايات والغرائب والطرائف فيتجمعون حوله
ليحدثهم عما شاهده فى رحلته، وكيف اجتاز جبالا
وصحار ووديانا وبحارا... وكم شاهد من ممالك ورأى من خمائل وحدائق وأنهارا وعرف من طبائع البشر والطيور والحيوان، وفى كل مرة كان يعود ليجد عشه كما هو لم يصبه سوء ... ولم يعتد عليه أحد، بل يجده كما تركه جميلا قويا نظيفا، وإخوانه يلقونه بالبشر والترحاب والرغبة فى سماع حكاياته، مقبلون عليه وملتفون حوله مما كان يشعره بعظيم السعادة والفخر والاعتزاز بما قام به من مغامرات وما أصابه من نجاح، ولكنه فى هذه المرة لاحظ الوجوم سائدا بين الهداهد وعرف فى وجوه أصحابه شئ من الحزن لم يعتده منهم، وعدم إقبال على حديثه.. فما كان من راما إلا أن مال بجناحه على صديقه دندش وسأله " ما بال الهداهد واجمة والحزن يخيم على كل الأعشاش ؟ ماذا حدث فى غيابي ... يا دندش ؟ "

الهداهد فى ورطة
طأطأ دندش رأسه وأشار بجناحه وقال " أنظر يا راما إلى تلك الخميلة المجاورة "
نظر راما على الفور فوجد الأشجار وقد غطتها مجموعة من الأعشاش الكبيرة قبيحة المنظر تملأ الأغصان فسأل دندش " لمن هذه الأعشاش يا دندش ومتى بنيت ؟ "
قال دندش : لم يمض وقت طويل منذ رحلت فى سياحتك الأخيرة حتى جاءنا رسول من مملكة الغربان يطلب مقابلة ملكنا هدهود العظيم "شفاه الله" وعندما قابله أعلمنا أنهم يرغبون فى بناء مجموعة صغيرة من الأعشاش المؤقتة لتكون مأوى لصغارهم فى تلك الخميلة المجاورة لأعشاشنا لحين الأنتهاء من تجديد أعشاشهم القديمة، وبرر ذلك برغبتهم فى جيرتنا والقرب منا لما عرف عنا من مسالمة وحسن العشرة، وأنهم سيكونون مطمئنين على صغارهم وهم فى جيرتنا وتعهد بعدم إزعاجنا أو إشعارنا بأى ضرر من تلكم الجيرة المؤقتة.
فما كان من الملك هدهود الطيب الإ أن أجاب طلبهم قائلا " إن خمائل الله واسعة ولا ضرر من استضافتكم لحين انتهاء مدينتكم على الرحب والسعة!!"
صاح راما : هكذا دون أن يسأل أو يستشير الهداهد؟
قال دندش : نعم هذا ما حدث ,...
وشيأ فشيأ أخذت الأعشاش تتكاثر وتنمو كالسرطان من حولنا وشيئا فشيئا تحولت لهجتهم الودودة إلى وقاحة وتحرش بنا وبصغارنا، ولكن الشئ الأخطر أنهم أرسلوا الى ملكنا الطيب هدهود -شفاه الله - إنذاراً شديداً إذا لم نغادر الخميلة فى غضون يومين بأن ينتفوا ذيله وتاجه ويطردونا جميعاً شر طردة ! "
نظر راما إلى صديقه دندش نظرة كاسفة وقال بصوت ملؤه الألم " وماذا كان رد مليكنا على ذلك الرسول الوقح "
قال دندش " تعلم يا صاحبى أن مليكنا رجل وهن جناحه وخارت عزيمته من طول السنين، ونحن لم نتخيل أبداً أن يمر علينا يومٌ كهذا نتَّهدد فى عقر دارنا ولم نحسب حسابه والملك المسكين تكالبت عليه الأمراض والأحزان وهو الآن يعانى من سكرات الموت وليس لنا من رئيس أو زعيم يحل محله أو ينوب عنه ولا نعرف ماذا نفعل ! !"
قال راما : " وأين .. أصدقائى الذين اعتادوا الجلوس معى والترحيب بى؟ أين ماجنوم وساندو وماندو وسنونو وتوتو ".
قال دندش : " إن كل منهم يلزم عشه حزينا، يفكر فى تلك الكارثة التي حلت بخميلتنا، وبعضهم يجمع أفراخه استعدادا للرحيل."
صاح راما وهو ينفض جناحيه بقوة وقال : " كيف يكون ذلك ؟ اجمعهم لى من فورك وانتظروني بجوار عشي حتى أعود .......................

البحث عن مخرج............................
لم يمض وقت طويل حتى اجتمع أصدقاء راما حول عشه وكل منهم خائر الهمة، حزين منكسر الجناح، وعندما عاد راما صاح فيهم .." ماذا أصابكم؟،
أين صخبك يا ساندو ؟ وأنت يا سنونو أين مرحك؟ ولماذا توقفت عن المعابثة يا ماجنوم؟ ماذا أصابكم؟ "
قال توتو : " وهل يخفى عليك ما أصابنا يا راما العزيز "
قال راما : " وهل معنى ذلك أن نستسلم للحزن واليأس هكذا ! ! "
قال سنونو : " وماذا بيدنا أن نفعل أمام تلك القوة الغاشمة "
قال راما : " الواجب أن نبحث الأمر وأن نستشير بعضنا حتى نتفق على الوسيلة التى نخرج بها من هذا المأزق فالأمم معرضة لمثل تلك النوازل فى كل وقت، ولكن من حسن الفطن أن نملك أعصابنا ونشحذ فكرنا لنجد أسلم الحلول لمشاكلنا، فلكل مشكلة حل، فليبد كل منكم رأيه "
قال ماندو : " إن الغربان عدو جبار ومحب للدماء ولا طاقة لنا بمحاربته وليس بيدنا إلا الفرار من أمامه قبل أن تنتهى المهلة "
قال راما : " وأنت يا دندش ماذا ترى ؟ "
قال دندش : أرى أن يأخذ كلا منا طريقه بعيداً عن هذا الخطر الداهم الذى لا فكاك منه فأرض الله واسعة ولا جدوى من محاربة عدو تعرف أنك منهزم أمامه لا محالة "
ثار راما ونفض جناحيه ورفع ذيله ونفش تاجه وقال :" ما أسوأ ما رأيتم يا أصحاب ... نرحل! .. نرحل عن أوطاننا ونتركها نهباً لعدو غادر خسيس من أول تجربة تصيبنا إننا بذلك نساعدهم على هلاكنا،
لابد أن نجمع أمرنا ونستعد لمواجهتهم ونحرص على ألا يأخذونا على حين غرة منا، نقاتلهم قتالاً لا يلين، ونستعين بكل ما نستطيع من حيلةٍ أو صديقٍ أو حليفٍ حتى نجلي هذا العدو عن ديارنا وإلا ما استحققنا الحياة...
وأنت يا ساندو لماذا بقيت صامتاً هكذا ضاماً جناحيك بماذا تشير ؟"
قال ساندو : " أرى أن نبعث لهم رسولا ونطلب منهم مسالمتنا على أن نعيش جنباً إلى جنب دون أن يعتدى أحدنا على الآخر على أن نؤدى لهم كل عام جزية تكون دافعاً لنا من أذاهم ".
قال توتو : " كيف هذا يا صديقى ساندو؟ إننا إن نفارق أوطاننا ونصبر على غربتنا خير لنا من أن نذل ونخضع لعدونا ذلك الخسيس الدنئ الذى جاء ليغتصب أرضنا ومالنا وشرفنا "
قال راما : " وماذا عنك يا ماجنوم لماذا لا تشير علينا برأيك ؟ "
قال ماجنوم :" لا طاقة لنا على قتال الغربان فالأمر الواضح لكل ذى عينين أن المعركة غير متكافئة ونتيجتها الخسران لا محالة وفى هذه الحالة لا بد لنا من طلب العون ممن نرى فيه القدرة على معونتنا على أن نأمن غدره، فلا نستبدل عدواً بعدوٍ، فالقتال على كرهه لا بد منه ولكن بعد أن نعد عدتنا "
قال راما :" نعم الرأى ما رأيت يا ماجنوم، ولكن الأمر يحتاج إلى بعض الوقت، وأنا لدى خطة ..
الخطة الذكية
فلنرسل إلى ملكهم نطلب منه أن يمد المهلة يوماً آخر حتى نشيع مليكنا المحبوب هدهود العظيم الذى ينازع الموت، وبعدها تكون لهم الخميلة بما عليها من أعشاش حلالاً لا ينازعهم فيها أحد، وفى تلك الأثناء أذهب إلى صديقي النسر شرشر أحكى له ما أصابنا وأطلب معونته على عدونا "
قال دندش : " وهل أنت متأكد من أن صديقك هذا سوف يقبل مساعدتنا؟ أم أننا قد نستبدل عدو بعدو ؟ "
قال راما : " لا تقلق يا صاحبي ان النسور تعيش فى الأعالى ولا حاجة لها بخمائلنا كما أن لى عنده جميل وأنا واثق أنه لا ينساه ....."
ترك راما جناحيه للريح صوب الجنوب قاصداً جبل أم الطيور العالي ليبحث عن صديقه شرشر، وبينما هو سارح فى طيرانه تذكر كيف تعرف على شرشر أثناء سياحته، وكيف التقاه على قمة جبل أم الطيور وكيف ارتعدت أطرافه عندما أقترب منه، ولكن شرشر طمأنه وقال له : " أننى أود أن أعبر عن إعجابي بجمال ريشك وحسن ألوانك وجمال تاجك فأطمئن راما "وأجابه" وأنا كذلك معجب بقوة جناحيك وسموك وسكناك القمم والأعالي تحلق بعيدأ فى السماء، كما أنك ماهر فى الانقضاض على فريستك !
وعرض كل منهما صداقته على الآخر وسعدا بها حتى جاء يوم أراد النسر أن يستعرض سرعته أمام الهدهد راما فأشار نحو أرنب بري رابض أسفل الوادي وقال له : " ما رأيك لو أتيتك بهذا الأرنب قبل أن تغمض جفنيك ؟ ".

الهدهد الذكى ينقذ النس القوى
فتعجب راما من قوله، ولكن شرشر قال له معجباً بنفسه " سوف ترى " .. وانقض نحو الأرنب يريد افتراسه ولم ينتبه إلى فخ أقامه أحد الصيادين بجوار ذلك الأرنب فوقع فى شباكه، فما كان من راما الإ أن هبط نحوه وحاول تخليصه، ولما لم يقدر على ذلك أسرع وجمع أصدقاءه من النسور الذين أخذ بعضهم يخيف الصياد بجناحيه ومخالبه، والآخرون يفكون وثاق صاحبهم حتى خلصوه فشكروا جميعاً لراما صنعه مع صديقهم شرشر، فلولا يقظته وسرعة تصرفه لقضى على شرشر فى تلك اللحظة ولبقى فى الأسر ذليلاً الى الأبد .
............................................................................

الاختيار الصعب
وصل راما إلى حيث وجد صاحبه فاستقبله بكل الترحاب والمودة، وسأله عن أخباره فعرض راما عليه أمره وما أصاب عشيرته من سوء، صمت النسر شرشر قليلا ثم قال : " أعلم يا صديقي أن لك عندى جميل لا يمكن أنساه، كما أن لك على حق الصداقة فالصديق يجب أن يكون عوناً لصديقه فيما قد يلم به من نوازل، ولكنك تعلم مدى اعتزاز النسور بنفسها ولا أستطيع أن أطلب من ملكنا الذهاب لمحاربة مجموعة من الغربان الحقيرة، فذلك ينقص من هيبتنا، ولكنى من ناحيتي سأجمع فصيلة من أصدقائي المقربين ونذهب معك وكأننا فى سياحة إلى بلادك ونخلصك من هؤلاء الأوغاد "
سعد راما بما رأى من صديقه من وفاء على العهد وحفظ للجميل ، وانطلقوا من فورهم نحو خميلة الهداهد.
فى تلك الأثناء كانت الغربان قد أخذت فى التحرش بالهداهد وتطلب منها سرعة المغادرة، كما قاموا بنتف ريش عدد منهم على سبيل إرهاب الباقين وإخافتهم.

المعركة الفاصلة
..... لم يمض وقت طويل حتى اهتزت أعراف الخميلة من كل جانب وكأن زلزالاً قد ضربها أو عاصفة كادت تقتلعها من جميع الجهات، وأخذ الجميع يتساءلون عما حدث ؟ ...
وما كانت تلك العاصفة الإ صوت أجنحة النسور الذى أرعب الغربان وجعلها تفر مذعورة دون قتال تاركة أعشاشها ومتاعها،فأخذت الهداهد تطاردها وتمزق من يقع فى أيديها مذعوراً وهو ما أثار عجب الهداهد فمنذ قليل كانت تلك الطيور الجبانة الهاربة لا يقف فى وجهها شئ، وهاهي الآن تفر دون أمل فى عودة لما أصابها من ذعر لدى قدوم النسور نحوها فذلك طبع كل جبان غاصب .......
سعدت الهداهد بجلاء عدوها وشكر راما صديقه شرشر وأصحابه وطلب منهم البقاء فى ضيافتهم قليلا ليستريحوا من عناء السفر، فقال شرشر : " تعرف يا صديقي العزيز ألا راحة لنا فى تلك الخمائل وأن راحتنا هناك فى الأعالي، ولكننى سأبقى طوع أمرك فى كل وقت وفى انتظار قدومك فى سياحتك كما تعودنا " وانطلق هو وأصدقاءه من حيث أتوا وسط تهليل وسعادة الهداهد.
لكن راما طلب من أصدقاءه أن يكفوا عن صخبهم وضجيجهم وأن يجلسوا ليتأملوا ما حدث لهم ويبحثوا عن سبيل عدم تكرار ذلك فى المستقبل ...


راما يضع اساس الحكم
رفرف دندش بجناحيه فرحاً وقفز إلى المقدمة وقال : " أن خميلتنا الآن بحاجة إلى وجود قائد قوي يتمتع بسلطات واسعة وقوية وحاسمة حتى يستطيع إخراج خميلتنا مما أصابها من مشاكل متراكمة على مر العصور بسرعة وحزم بعدما تعرضنا له من احتلال وحرب وخسائر "
قال سنونو : " صدقت يا دندش وهذا الأمر ليس صعباً طالما هناك راما العجيب الذى يتمتع بحب لا حدود له من شعبه كما يملك أعلى مستوى من الفكر والنزاهة والخبرة " فوافق الجميع على هذا الراى
فقال راما :" شكراً لكم يا أصدقائي ..و كم أقدر ثقتكم هذه، ولكن هذه الطريقة تثير الخوف،
قال دندش الخوف من ماذا ؟
قال راما "مصدر الخوف قد لا يكون منى أنا راما بالذات ولكن الخوف هو من نظام الفرد الواحد الذى ترغبون فى تأسيسه والذى سوف يترسخ فى الفترة التى سأحكم فيها كما حدث فى عهد ملكنا السابق المرحوم هدهود الطيب، ولكن ماذا سيحدث إذا ما حدث لي مكروه؟ سأذهب أنا ويبقى نفس النظام الفاسد، نظام الفرد الواحد، سيختفي الشخص الذي وثقتم فيه ويأتي آخر قد تكون له رؤية مختلفة تحوله إلى ديكتاتور يرى أنه مصدر الحكمة كلها فلا يسمع لأحد فيحرم الهداهد من المشاركة فى صنع حاضرها ومستقبلها، وهذا النظام كما جربناه لا يمكن أن يقود خميلتنا إلا إلى كارثة محققه ....."
قال توتو : " وما الحل إذا يا راما ؟ "
قال راما : إنى أرى أن نبدأ فى انتخاب ممثلين لجموع الهداهد يعبروا عن آمالهم وطموحهم فذلك هو الضمان الوحيد للاستمرار فى محاولة التغلب على مشاكلنا والعثور على أمثل الطرق لإصلاح أحوال خميلتنا، ثم بعد ذلك نختار زعيمنا على أن يكون من حق ممثلي الهداهد محاسبته ومناقشته فيما يتخذ من قرارات تمس مجتمعنا وأن نطلب منه أن يؤسس جيشاً قوياً يحمى خميلتنا من أى عدوان جديد، ونعمق علاقات الصداقة مع جيراننا، ويؤمن لكل هدهد عشاً ولمن لا يقدر على السعي رزقا وأمناً ، لقد طوفت كثيراً يا أخواني وصدقوني إن ممثلي الهداهد حتى لو أخطئوا فأنهم وجموع الهداهد يتعلمون الكثير من أخطائهم، .... أما أنا فأرجوا أن تعفوني من هذا التكريم وتدعوني لكي أمارس حبى الوحيد ورغبتي الأكيدة فى السياحة والسفر، على أن أعود لكم كل حين وأنقل إليكم ما رأيته من أخبار وآثار الأمم وتجاربها.... "
أعجبت جموع الهداهد بمقولة راما وأخذت تصفق بأجنحتها، وعلى الفور أخذ الجميع يعملون بهمة ونشاط في إصلاح ما تهدم من أعشاشهم والدعوة إلى انتخاب ممثلين لهم، وبعد أن تم كل شئ بنزاهة وحب قرر مجلس الهداهد فى أول قرار له إهداء راما وسام التاج الذهبي تقديراً لأعماله الخالدة فى خميلة الهداهد وتسمية أكبر شجرة فى الخميلة باسم راما العظيم،.. لكن راما بعد أن شكرهم قال : " لا يا أصحابي بل نسميها شجرة الحرية لتبقى رمزا دائما لمعركتنا الخالدة".


ت ا
انتشار الخبر
وبسرعة البرق انتشرت اخبار معركة الحرية التى قادها (راما العجيب) فى انحاء الغابة
وكانت الحمامة صاحبة الفضل فى نشر الخبر بين طيور وحيوانات الغابة واصبح الكل يتعجب هل هذا ممكن !! هل من المعقول ان تنتصر قبيلة الهداهد الضعيقة المسالمة على جيش الغربان القوى الذى لا يقهر ¬
اما العصافير الملونة ولانها شاهدة جزءا كبيرا من الحكاية بعينيها فلم يكن الخبر غريبا بالنسبة لها فطارت هى الاخرى تؤكد الخبر ونقلته الى البلابل التى اخذت تغنى حكاية الهدهد العجيب راما وتنقلها بين خميلة واخرى باصواتها العذبة فيتجمع حولها اعداد كبيرة من طيور وحيوانات الغابة لسماع تلك الحكاية بصوتها الجميل المرة بعد المرة
قال الديك الاحمر :
ان ما فعلته الهداهد بقيادة راما العجيب يعتبر درسا لجميع حيوانات الغابة خصوصا تلك التى تعيش فى ظل عبودية اخرين
لقد ذكرنا ان للحق قوة تفوق اى قوة وان صاحب الحق ما دام مصرا على استرداد ه ويعمل ما بوسعه لذلك لابد ان يحصل عليه مهما كانت قوة خصمه
فرد اللقلق الابيض جناحيه وخطا خطوتين للامام وهو يقول :
ولكن يا صديقى وحتى يتحقق ذلك لابد لنا معشر الطيور والحيوانات ان نعمل سويا وينبغى على الجميع الاخلاص والتفانى فيما يكلف به من عمل من اجل تحقيق هدف جماعتنا سواء اكان هذا الهدف هو الحرية او المستقبل المشرق لمجتمع الحيوانات السعيد الذى نتحرر فيه من الظلم او العبودية او الخوف او الجوع
صاحت البطة السوداء : احسنتم ايها الاصدقاء لقد اصبح لديكم من الفصاحة ما تعبرون به عما اريد ان اقوله واشعر به بمنتهى السهولة
قفزت الاوزة البيضاء فوق صخرة قريبة وصاحت :
ان غابتنا خصبة ومناخها طيب تجود علينا بالخيرات بما يكفى اضعاف اعدادنا من طيور وحيوانات فى اسعد معيشة وارغد حياة ولكن حتى يتحقق ذلك لابد للعدل ان يسود
زغرد الديك الرومى بصوته المحبب وهو يقول
كلامك صحيح تماما ايتها الصديقة ولكن حتى يتحقق ذلك لابد الا يسطو حيوان على ما بيد ابناء غابته مهما كانت قوته او ضعف شريكه فى الوطن
قال الديك :
هل سنقضى الوقت فى تحليل تلك المعركة ونحن جالسون هكذا اليس من الواجب ان نجمع وفدا من طيور وحيوانات الغابة ونذهب الى خميلة الهداهد لنقدم لهم التهانى ونسمع منهم ونستفيد من تجربتهم فى انشاء خميلتهم الجديدة
قال الارنب البرى الذى كان رابضا بجانب كومة من العشب الاخضر وظهر فجاة
نعم الراى ما فاله الديك وانا ساقوم باخبار من يصادفنى من حيوانات الغابة على ان تقوم الحمامة بدعوة من يصادفها من طيور على ان يكون الموعد غدا قبل غروب الشمس
وباسرع ما يمكن توجهت العصفورة الى خميلة الهداهد للاتصال بممثل الهداهد لترتيب اللقاء
وانطلق كل فى وجهته للدعوة والاستعداد ليوم الغد

كانت الهداهد قد انتهت للتو من تشكيل مجلسها وانتخاب زعيمها ولقد وقع الاختيار على الهدهد سنونو حيث حاز على اعلى الاصوات بسبب قربه من راما ودوره المشهود فى معركة الحرية
ولقد وافق على استحياء بسبب اقتناعه بحكمة راما فى البعد عن المناصب الرسمية وخوفه من الا يكون على مستوى المسئولية التى القتها الهداهد على عاتقه
فاخذ يتحدث الى الهداهد ويقول
اشكر لكم ثقتكم واختياركم لى كى اقود خميلتنا فى تلك المرحلة الهامة وانا واثق اننى لست افضل من يقوم بهذه المهمة ولكنى لا املك امام رغبتكم الا السمع والطاعة فان رايتم فى عملى صلاحا فساندونى وان كان غير ذلك فقومونى او اعزلونى
وعندما اخبرت العصفورة صديقها الهدهد توتو برغبة طيور وحيوانات الغابة فى الحضور للتهنئة بالانتصار العطيم سعد هو ومجلس الهداهد بذلك الخبر وتم الاتفاق على ان يكون اللقاء فى الوادى الفسيح المقابل للخميلة حيث الارض منبسطة والحشائش خضراء يانعة والاشجار باسقة ظليلة
واخذت مجموعة من الهداهد الشباب الاعداد لضيافة الحيوانات بتجهيز تفاحة ناضجة لكل زائر وبعض الحبوب وتنظيف مياه البركة المجاورة حتى تكون فى احسن حال لاستقبال المهنئين
الاجتماع الكبير
وبدات الامسية وكانت امسية صافية من امسيات الربيع وكانت الشمس الغاربة تلقى باشعتها الذهبية على النجيل الاخضر والحيوانات تتوافد الواحدة تلو الاخرى فحضر مندوبون عن البقر والماعز والاوز والدجاج والقطط والكلاب والبط والخيول والحمير واللقالق والديوك الرومية وابوقردان كما تجمعت البلابل والعصافير والحمام والغزلان كما كان من الغريب ان يحضر كلب البحر والدب والكنغر والبوم
عموما كل من وصلته الاخبار سارع بالحضور على الفور وتداخلت الاصوات بين خوار ومواء ونباح وثغاء وصهيل وهديل
حتى ظهر بعض شباب الهداهد واخذوا فى الترحيب بمندوبى الحيوانات وتقديم ما جهزوه من تفاح وشعير وقرطم
ثم اعتلى الهدهد دندش عضو مجلس الهداهد شجرة قريبة وقال مرحبا " اهلا وسهلا بكم اصدقائنا وشركائنا حيوانات وطيور غابتنا الزاهرة وشكرا لمشاعركم النبيلة ودعمكم لمعركتنا
ان ماوصلنا اليه ما كان من الممكن ان يحدث لولا ان وهب الله لنا قائدا وزعيما زكيا وقويا وشابا وعالما ومن اصل شريف هو صديقنا الهدهد راما العجيب فهو بجانب قوته وسعة حيلته وذكاءه فهو من اصل شريف حيث يعود نسبه الى هدهد سليمان الحكيم عليه سلام الله لذلك فهو موفق اينما كان لشرف نسبه وعراقة اصله
وهنا ظهر القائد سنونو وقام وعلى وجهه علامات الغضب واعتلى منصة الخطابة وقال
بداية اشكركم جميعا ولكنى اود ان اختلف مع صديقى دندش فيما قال
فمع اعترافنا بفضل صديقنا راما الا ان دندش نسى ان راما نفسه قد حذرنا من ان نجعل من شخص ما محور مجدنا وسبب حياتنا ونخلع عليه من الصفات ما ليس فيه بدافع الحب او النفاق
فصديقنا راما ذكى وقوى وامين وواسع الحيلة وهو ما كان من اسباب نجاحنا اما مسالة الشرف والاصل الرفيع
فكل الهداهد شرفاء وجميعهم من اصل واحد هو هدهد الاول ولا فضل لهدهد على هدهد الا بما يعمل ويقدم لعشيرته وليس بمن هو ابيه ولا من هى امه
لقد كان راما بصدره الذى يتسع للجميع يحلم بان هذه الغابة بكل ما تحويه من جمال وخيرات ملك لجميع شعوبها

الزائر الغريب
وفجاة وقبل ان ينهى سنونو كلمته ظهر حيوان غريب لم يسبق ان راه احد من قبل يغطى جسده بمعطف من الصوف ويخفى وجهه بلثام من الجلد وتبدو عليه امارات الثقة والمهابة والطيبة والوقار والحكمة
وقف على ربوة عالية بعيدا عن ساحة اللقاء وقال باعلى صوته
اخوتى واخواتى حيوانات الغابة وطيورها الاعزاء لقد سعدت مثلكم بما حققه الهداهد وامنت بكل ما جاء به راما العطيم من حكمة ودعوة للتسامح ورغبة فى العيش فى سلام
وهى المبادى التى افنيت حياتى من اجل تحقبقها لذلك احب ان اقدم لكم اليوم مشروعى الذى عكفت على انشائه سنوات وسنوات حتى ان اغلبكم لا يكاد يعرفنى بسبب انشغالى بهذا المشروع عما سواه انه جنه الحيوانات
لدينا بحيرة كبيرة من الماء العذب للشرب واخرى للعوم والاستحمام كما ان فيها جميع الاصناف من الاعشاب الخضراء والجافة واكوام من الشعير وجبال من السكر وزهور من جميع الالوان ولها هواء منعش وربح طيبة وظللها ظليل كما ان بها مشفى للحيوانات يقوم عليها مجموعة من امهر الاطباء من اخوانى كما ان لدينا صالونا لحلاقة لتهذيب الاصواف والشعور هذا غير صالة للالعاب الرياضية واخرى للاصواف والفراء لمن يرغب فى تغيير مظهره
فعلى من يرغب فى تشريفنا والانضمام الى جنتنا ان يتبعنى فور انتهاء الاحتفال لتسجيل الاسماء وشكرا لكم واهلا بكم
قالت الحمامة البيضاء :ترى من يكون هذا السيد اللطيف الذى لم نره من قبل
قال الارنب : لا يهمنى من يكون المهم انه سيقدم لنا حياة رغدة وبلا مقابل
وافق الديك على كلام الارنب واقنع الماعز التى كانت ما تزال مترددة فى قبول العرض والتى بدورها اقنعت الحمار والحصان بالذهاب خلف هذا السيد الكريم لتجربة النبع الصافى وتذوك عشيه اللذيذ وهم الجميع بالانصراف وسادت جلبة واضطراب فى ساحة الاجتماع
حتى صاح الهدهد توتو قائلا
مهلا يا اخوتى ارجو ان نتروى قليلا حتى نتيقن من حقيقة الرواية
وانى لارى بثاقب بصرى هدهدا قادما من بعيد واظنه صديقنا راما العجيب صاحب الفضل فى ثورتنا والذى جئتم من اجل مقابلته فالتهداو قليلا حتى تقابلوه
وقفت الحيوانات على مضض تتململ وتريد الانصراف بسرعة كل يرغب ان يكون اول من يدخل الجنة الموعودة
حتى وصل راما العجيب يرف بجناحيه ويحاول ان يلتقط الانفاس بسرعة
فوقف على منصة الخطابة وقال
مرجبا بكم يا احبابى واصدقائى كنت اود ان اكون فى استقبالكم حتى احدثكم عن معركتنا الخالدة ولكنى ارى ان اذكركم بحكمة غالية طالما لقنها لنا الاباء والاجداد وهى الا نصدق كل ما يقال لنا وعلينا ان نستوثق مما نسمع حتى لا نورد انفسنا موارد التهلكة ان المعركة لم تنتهى ولن تنتهى
اعرف ان جميعكم يرغب فى الانصراف الان للجنة الوعودة التى حدثكم عنها السيد ذى المعطف ولكن اتعرفون من هو السيد صاحب الجنة الموعودة ذلك الشخص الطيب المهيب
انه صديقكم الذئب !!!!!!
رايته على حافة الغابة يتفق مع قبيلته كيف ينصب لكم فخا متقنا واتفقوا على تلكم الخطة الماكرة ليغتالوكم فى يوم عيدكم
وجهت الحيوانات والطيور ابصارها تجاه الربوة التى كان عليها السيد المهيب فوجدوه قد القى معطفه ولثامه واطلق ساقيه للريح
فانطلفت الكلاب والحبوانات والطيور فى اثره بعضها تركله باقدامها واخرى تعضه باسنانها وثالثة تنقره بمناقيرها ورابعة تنطحه بقرونها حتى فر من امامها وجسده ملىء بالجراح
ضحكت الهداهد لمنظر الذئب الماكر وجسده الدامى وفراره امام البط والاوز و قالت
ان لنا معك فى كل يوم درسا يا راما الحبيب دمت لخميلة الهداهد ولغابتنا غابة السلام والحرية

تمت

ليست هناك تعليقات: