السبت، يونيو 13، 2009

عــزَّاف النــار - بين التـأويـل وتيـار الشعـور (رؤية موازية ) احمد سامى خاطر

دراسة نقدية لمجموعة قصصية صدرت للأديب المصري / العربي عبد الوهاب


عندما شرع الكاتب الروسي جو جول في قراءة إحدى قطع شرائح روايةٍ لم يكن قد استكملها بعد على زميله الشاعر الروسي الشهير بوشكين ؛ وفى إحدى مساحات الصراع النفسي الإنساني في الرواية أشار الثاني بيده إشارة الاكتفاء مقاطعاً بعذابٍ عظيم يا إلهي .. كم هي معذبة روسيا هذه .

وعلى الرغم من أن بوشكين كان يعلم ما قد وصل إليه المجتمع الروسي من ترديه الاجتماعي والسياسي والطبقي في عصرٍ أشبه ما يكون في تلك الحقبة بالمجتمعات الشرقية التي كانت تعاني الأزمة بكل مناحيها الاقتصادية
والاجتماعية والنفسية ، إلا أنه قد أثير أمام قسوة تجسيد جو جول لهذا المجتمع الذي وضعه في إطارٍ دلالي ونفسي بعد أن عالجه بقوة الصدق في العرض وابتعد به عن مغالاة وجمود الواقع ذاته ؛ والذي لا يصلح بمفرده أن يكون فناً أو إبداعاً على الرغم من مادته التي تشكل المادة الخام لتجسيد هذا الشعور الذي وصل بـ بوشكين لحد الشفقة على المجتمع الروسي 0

إذن .. على الرغم من أن الحياة هي المحتوي القابل لاحتواء كافة الفنون فعلينا أيضاً أن نعتبر بالمثل أن
الإبداع يمثل المحتوي الخاص والمعقد لاحتواء الحياة .. ولن يتأتى ذلك صراحةً إلا بعد اختزان هذه الحياة وإعادة
وضع صيغا أخري لها تضمن ذلك القدر من التأثير ، وإثارة الوجدان وجعل هذه الحياة – العادية جداً – بكل تفصيلاتها تبدو كأنها غريبة أو جديدة يدركها الإنسان بطريق الإبداع كما لو كان يتعرف عليها لأول مرة كما أثار جو جول في نفس زميله بوشكين تماماً الأمر هنا لا بد أن يكون أكثر دقة وتخصيصاً ، إذ ينبغي أن نستثني ذلك النمط أو ما يسمي بالسائد العام والمعتاد في الحياة ، والوقوف على أدق التفصيلات النفسية التي
يعجز العاديون أمام تفسيرها ؛ وهو ما قد يظهر جلياً في الفن على إطلاق عموميته وعلى فن القص بشكل أكثر دقةٍ وخصوصية وتعميقاً ؛ من خلال التعريج علي لحظة مسروقة بمهارة لا تخلو هذه اللحظة غير العادية من إدراك لغة توفيقية ملاءمة ، واصطياد موقف فذ إشارة بمراحل الوقع ثم الأثر الذي يخلفه ذلك الوقع في نفس المتلقي .

وعلينا في البداية والنهاية أن نصيب الهدف بأسرع ما يمكن وبأقل الوسائل وأوفرها ، إنها دربة وقوة ومعايشة أو
فلنقل صراحةً : إن فن القص هو فن إتقان الحياة ، إنه أشبه ما يكون بطلعة جوية سريعة وخاطفة يتحقق من خلالها ذلك الهدف المنشود .

ولقد أصاب ذلك الهدف كثيرون في أجيال مختلفة ومتلاحقة ممن فجروا من المشهد اليومي العادي بأحداثه النمطية المعتادة ذلك الانحراف النفسي بحثاً عن موقع الإنسان فيه وسط جلبة التراكمات اللا حصر لها ووسط حلبة الصراع الذي لا ينتهي بدءً من الإنسان نفسه كمحورٍ بين كائنات ورموز وأماكن وأزمنة ومعادلات ومعطيات ومروراً بالعلاقة بينه وبين الأشياء التي تبدو بسيطة ومعقدة في ذات الوقت وانتهاءً بأخذ موقفه الأحادي من العالم المحيط به 0

هذه ليست مقدمة لاستشراف عالم قصصي جديد بقدر ما هي مدخل أمهد فيه عن موقع القص بين باقي فنون القول متخذاً من مجموعة (عزاف النار)(1) للكاتب : العربي عبد الوهاب تكأة أو تطبيقاً لعددٍ من التنظيرات التي فرضت نفسها في الآونة الأخيرة علي ذلك الفن الجميل 0 محاولاً بذلك الاقتراب من عالم القص عند العربي من خلال مجموعته الأولي التي صدرت عن الهيئة العامة لقصور الثقافة في عددها الخامس والسبعون . كما أصنع لنفسي متسعاً أكثر رحابة للتعريج على سواحل القصة القصيرة بمفاهيم تتراوح
بين الاختلاف والاتفاق مع السائد العام ؛ والذي يدور حول صفة النص القصصي وعناصره الفنية القديمة والمستحدثة ، وقضايا التوليد والتأويل التي انتقلت من الشعر إلي القص مؤخراً ، وقد يكون اختيار مجموعة (عزاف النار) أمراً به الكثير من التعمد الذي لا يخلو أيضاً من الترصد لكاتب من جيل التسعينات تداركاً لئلاً يسقط هذا الجيل تباعاً في وادي النسيان مهملاً ، كما لا يفوتني أن أنوِّه بأن الدراسة سوف تتسع لتضم عدداً من كتاب القصة القصيرة المتميزون في هذا الجيل ممن لديهم قدرة استجلاب بصيرة جديدة تطل من نوافذ بكر لاستكشاف ورصد كل ما هو جديد ومبتكر في فن القص شكلاً ومضموناً .

تضم مجموعة (عزاف النار) ثلاثة تقسيمات يتفرع من كل قسم عدد من القصص ذات الحجم القصير نسبياً في معظمها (الصحراء)(رائحة الأشياء)(عزاف النار) ، وربما كان لهذا التقسيم مبرراً في نفس الكاتب تداركاً منه للفصل بين نصوص البدايات والوسط والنصوص الحديثة نوعاً وهذا أمر مشروع سيما في الإصدار الأول للكاتب والذي يخضع فيه الترتيب دائما لحاسة توفيقية توازن بين نمط ورؤية كل نص وبين الهدف أو المرمي أو القصد أو الوقع أو الأثر الذي يحدثه تباعاً في نفس المتلقي وتلك دربة ومهارة أخرى .

إن الدخول لعالم قصصي جديد من شأنه أن يستجلب معه العديد من الاطروحات والأسئلة أهمها على الإطلاق ما هو الهدف العام ؟ أو بمعني آخر ما هي شرعية وجود النص ؟ ، أو نستطيع الطرح على عمومية إطلاقه وبمنحي نفسي إكلينيكي بحت ما هي القوي النفسية الدافعة للدخول في هذا الفضاء وبهذه الكيفية وهذا النمط بالذات ؟ لاشك أن المسألة تحتاج لبرهان مقنع من قبل الكاتب نفسه ، إذ سرعان ما تتغير وتتبدل الاتجاهات ويرسو النص القصصي في النهاية على لاشيء أو تستقيم المعطيات لتؤكد المطلوب مبرهنة على دافع قوي كان وراء كتابة ذلك النص القصصي الكائن .. من نقطة ما على البر يبدأ الناس طريقهم إلي السفينة لتحملهم
فوق الأمواج .. إنها تعني بداية رحلة في المجهول رغم معرفة القصد الذي لا يصلون إليه أحياناً (2) .. نعم
إنها رحلة في المجهول ، وربما كان ذلك بداية تنشئة إحساس عام فرض نفسه على بعد قراءة المجموعة عدة مرات ، واتخذت منها موقفاً نفسياً دعاني لاتخاذ قرار بضرورة التعامل مع هذه النصوص من زاويتين هامتين 0

الأولي : زاوية تيار الشعور (المنولوج) داخل معظم نصوص المجموعة 0
والثانية : زاوية الرصد النفسي بين التأويل والتوليد لخلق رؤية موازية ليست بالضرورة أن تفضي إلي الرؤية التي عمد إليها الكاتب نفسها ، فهذا المنهج التحليلي والتأويلي يلغي قصد المؤلف ؛ لا بهدف فصله عن نصه فقط دون بديل منتج بل لمعاينة القصد الحقيقي الذي تبوح به النصوص الخاضعة لمؤثرات هائلة ليس قصد المؤلف إلا واحداً منها في حساب الفروض والاحتمالات (3(.

هذا الطابع يبدو ظاهراً في أغلب قصص المجموعة فنجد قصة (آية الصحراء) تتجاوز حدود اللغة الهادئة والطيعة والقصيرة إلي فضاءات أكثر وطأة لدلالة الطبقية وما لها من سطوة على مقدرات ذلك الإنسان التائه في الشوارع وبين إشارات المرور والعربات والملامح المكتنزة والضاحكة والساخرة في ظل التجسيد القوي للمعتقد الطبقي الغالب في مجتمع هو أشبه في رحابته بصحراء شاسعة وفي سلطويته بازدحام إشارات المرور التي تحول دون وصول أصحاب الأحلام البسيطة في المجتمع إلي مراميهم العادية التي قد تكون لحظة مسكونة بالتحقق في عين هذه الأخرى التي تتناهي وتتحلل ككل الأشياء الظاهرة لتختلف في عين ذلك الباحث عن
نفسه والمترقب لحال جديد .. إنه البحث .. البحث حتى الهلاك .. الجنون .. صفعة الحبيبة .. خيانة الصديق ..
سماجة الشرطي .. العربات الفارهة .. الأعين الموحشة .. الألسنة الخارجة من الأفواه ؛ حتى تسقط دمعة على الرمل ، وتكون الإجابة أضيق من سم خياط في يد عجوز خذلته العيون الحادة القادرة .. إن قصة (آية الصحراء) وقصة (عصفور) وقصة (الممر) و(اسم جديد للألم) (مخلوقات الطين ) و(صورة لا تشبه الأصل) تعد حالات قصصية أكثر منها أبنية أو محتويات سردية بالمعني الوظيفي لعناصر القص ؛ من هنا كان التجاوب مع اللحظة من منظور إنساني/أخلاقي ، أو اجتماعي /طبقي مؤشراً دالاً على طغيان تيار الشعور (المنولوج) النفسي والوجداني داخل النسق القصصي عند العربي عبد الوهاب ، وربما ساهم المنولوج بقدر وفير في تشاعر العبارة وقصرها وإغلاقها أحياناً ، وتشاحن العناصر المتحركة داخل السياق القصصي دون ترتيبها وتنميقها لتعطي بعداً عفوياً للصدق في التجاوب مع عدة لحظات هاربة تكمن جميعها في الطرف الآخر وهي المرأة متعددة السمات في كل قصة 0

وهذه الصيرورة التي تحكم غالبية قصص المجموعة تدفعني نحو إعادة البحث عن الفكرة الأساسية لكل قصة ، ومدي تنوعها وليس مجرد استنتاج رؤى وتوليد دلالات وتأويل عوالم من الرتوش والإشارات فهذا من شأن القصيدة بالدرجة الأولي لا القصة ، ففي القصة مهم للغاية أن يكون لدينا شيء يقال ، شيء جديد ومختلف كزهرة تتفتح في الحال (4( فنري قصة (عصفور) في التصنيف الأول يعرج الكاتب على الحالة القصصية بلسان حال عصفور صغير لا يمل البحث عن قدرة لمواجهة ذلك الخطر الداهم والدائم والمتمثل في قوي
الدمار والفناء التي تهدد أمن المخلوقات الضعيفة في المجتمع البسيط ؛ حيث لم يجد بداً من الفرار بعيداً عن
الطلل البادي كأنه انتهاء حتمي له كما كان لأبيه من قبل ؛ وكذا أقرانه الموطوءين بالأقدام .. إن القصة تريد أن
تضع لمسة إنسانية عميقة على فكرة الأمان في أحقية ذلك المخلوق الضعيف أن يحيا بلا مصادرة .. بلا رصاص .. بلا رصد .. بلا رجال يقتلعون الأشجار لإقامة كورنيش دون أدني مراعاة لعشرات العشوش الآمنة .

إن هذه الحالة تؤكد مدي تعاظم هذا الشعور في نفس الكاتب إزاء المجتمع الأكثر عمومية بالنظر في عين العصفور الهارب إلي إرادة يتحقق عندها العدل والأمان في المجتمع الإنساني . فالخيال عنصراً أساسياً في القصة ، إنك لا تري أحداث القصة ، بل القصة تبتعث لك رؤيا بالأحداث .. .. في القصة إذن عالم يعيش فيه ناس لا يوجدون في الواقع بوصفهم كائنات موضوعية عضوية ، فأنت لا تراها ، وتدور فيه أحداث لا تقع أمامك وصفها حركات خارجية مشتبكة بعالم الأشياء الفيزيقية العينية لكننا لا نلقي لذلك بالاً ونستسلم في راحة لتلك التخييلات صدقاً من نوع آخر وواقعاً أكثر واقعية ، وأن فيها حقيقة أخرى ، تلك الأوهام ؛ أمسُّ بنا من أقنعة الحقيقة (5) فلا ضير أن تنبعث الفكرة من تأمل الموجودات أياً ما كانت شريطة أن تتآلف عناصرها في وحدة واحدة تصيب هدفاً مروعاً ويسيطر على أحاسيس ومشاعر المتلقي في حينه ويترك أثراً في نفسه باقياً ، ولقد طوفت قصة (روبابيكيا) – والتي أعتبرها علامة داخل المجموعة اتساقاً وتكاملاً – في فلك القصة القصيرة ذات البعد النفسي والإنساني الخاص بدءً وانتهاءً بشخصية عم محمد الذي يجسد به الكاتب فلسفة الرحلة الإنسانية من القوة إلي الضعف ومن السيطرة على الأشياء إلي مجرد النظرة المهزومة لهذه الأشياء إنها نظرة جديدة كـ(نظرة) طفلة يوسف إدريس للوراء ، تلك النظرة الهزيلة المغلوبة المشبعة بالرغبة المصطرعة مع الحياة ، وبعد أن كان عم محمد محط كل الأنظار يصبح هو نفسه نظرة مستسلمة لإرادة لا يملك دونها غير أن يصطنع
ابتسامة مشفق عليها في مواجهة أم عصمت التي لم توقد ناراً منذ أمد بعيد .. ولم يدفع ولدها معونة الشتاء في
تضافر ساخرٍ وتهكم بالغ الألم يكون البطل مطالباً بحتمية تحريك الزمن للوراء لتتحقق رغبة الزوجة والابن ، ولأن ذلك مستحيلاً لابد أن يروض الزمن القادم بأكذوبة المواراة والهدهدة بأنه فعلاً لا يزال قادراً على البقاء
كما كان في الماضي وأنه لم يتقادم مثل كوبري أبو الريش ، والأتوبيس القديم ، والبنطلون القصير والمقعد الذي غرق فيه والبلوفر المثقوب والابتسامة الباهتة ، وكوب الشاي الفارغ إلا من رشفتين ، وحاجيات البيت والتخاذل وأم عصمت .. [ فلتمش على مهلك .. لا .. يجب أن ترحل في ذاكرتك للوراء ، لا تنفخ الهواء وتضيق صدرك هكذا ] .. وفي لحظة الصمت هذه تنعدم القدرة على المواصلة وسد الاحتياجات في هذه السن .. تحمل الزوجة وابور الطهي لتقايض بائع الأشياء القديمة..

وكأن الكاتب الذي حرك هذه الشخوص ببراعة وإحكام يريد أن يصل بنا صراحة وعن عمد إلي صوت المنادي البائع [ كل حاجة قديمة للبيع ] ليرتد صداها [ ديمة للبيع ] في دخيلة القارئ نفسه : إنه لا يوجد من هو فوق سطوة الزمن ولا فرار من التقادم والانحناء مهما تعاظمت القوة وازدان العود تصالباً وخفة . فنري هنا كيف حققت القصة مبدأ (الوحدة) وهو أساس جوهري من أسس بناء القصة القصيرة بناء فنياً ويشتمل وحدة الدافع ، وحدة الهدف ، وحدة الحدث ، ثم وحدة الانطباع ، وقد يصلح ذلك كقاعدة لا يشذ عنها ، أن القصة القصيرة يجب أن تقوم على فكرة واحدة تعالج حتى نهايتها المنطقية بهدف واحد وطريقة واحدة حيث يجب أن تكون الفكرة الأساسية واضحة تماماً ، وينبغي أن تثير الاهتمام بمفردها دون النظر أو اعتبار لأي تعقيد آخر ، والفكرة هنا لا تؤخذ في ذاتها على أنا منبع رئيسي للقصة القصيرة فإنها يجب أن تأتي من داخل الشخصية أو من صفاتها المميزة ، ويجب أن ترتفع مع الحادثة ، كما يجب أن تكتشف من الشعور الذي يود الكاتب أن يحمله لنا عن طريق القصة القصيرة (6) 0

فنجد في التصنيف الأول قصه (وهم الصحراء) تتواتر وسط طقس من الانفصال عن الذات والتداعي لحلقات إيهامية يداخلها تيار الوعي التي تتجسد في كادرات أو كولاجات تقتحم ذاكرة البطل في لحظات حتمية ، ذلك المسافر ربما بلا هدف غير ما أعلنته القصة صراحةً وهي الرغبة في خلق طقس مهيب ؛ فيما هو بعيد عن أعين الناس وانفساح عالم أسطوري باستجداء ذلك العملاق ، وما تخلف عن النقاط الصغيرة من أناس غير عاديين وذلك من خلال الكتاب القديم الذي اصطحبه في رحتله غير الهادفة إلي الصحراء ، والواضح أن القصة لا تقف على مجرد التسليم بمحتواها الإيهامي وما ورد فيها من قوي غير مألوفة وغير واقعية وإلا لتجاوزت خصائص التجاوب مع أحد أهم العناصر وهو عنصر التجاوب الموضوعي مع الفكرة واستجلاء واقعها بصدق ، وهو ما يدعونا لتتبع بعض الدلالات الهامة للقصة والتي أري أنها تكمن في عنصري (الفعل) و (الحركة) وكلاهما بطلاً في القصة – إذا ما استبعدنا مؤقتاً تيار الشعور والتأويل – حيث يوازي الكاتب بين عالمين مدهشين هما عالم الاستقراء الظاهري الواضح في تيار الوعي – سابق الذكر- 0 وهنا يمكن أن تمثل كادراته قسطاً من الواقعية العادية بالإشارة إلي [ صورته المعلقة على الشباك] ، والتي تتبدد وراء دخان الجوزة ، وما إلي ذلك من تأكيد على بيئة الحي الشعبي و [ بيوتاته ، وأمه التي نسي وداعها ، والعربة التي استقلها ، والسائق ، وشريط الموسيقي ، والجار الذي تفل ، والريح ، والرمل ، وأوتاد خيمته التي أوتدها في عراء الرمل .. إلخ ] ، أما العالم الآخر فهو العالم الاستنباطي (الميتافيزيقي) الكامن في الفناء الذهني للكاتب ، والإيغال فيما وراء الواقع من قوي عديدة تسيطر ، ولديها مقدرات خاصة بالإشارة إلي ذلك العملاق ، وتلك المخلوقات الكثيرة التي أكد الكاتب جهامتها وامتناعها عن التجاوب مع هذا البطل خاصة بعد أن اختفي الكتاب القديم؛ وهو القوة الوحيدة القادرة على السيطرة على هذه المخلوقات .. إن الكاتب قد حاول الاقتراب من منطقة الحدث بالفعل غير أنه فقد قدرته على التحكم في طيات ما أراد أن يؤكده بالحركة ؛ فدعي للأشياء أن تتحرك من تلقائها ، وأن تتخلق في تيارات غير مواتية ، وهنا يتولد نوع من التفاعل الحر فيما بين العالمين نستخلص من هذا التفاعل : أن الإنسان من شأنه أن يصنع معطيات موته بيده عندما تضيع منه القدرة على التحكم أو التجاوب مع عناصر الحياة ، وهذه القدرة أو هذا التجاوب يتمثل في المنهج الكامن في طيات ذلك الكتاب القديم .

أما في قصة (اسم جديد للألم) فالأمر يختلف تماماً حيث يسيطر المنولوج النفسي على هيكلية البناء القصصي فلا نجد قصة بالمعني السائد وإنما نتلكأ عبر مساحات قصصية مفتوحة الطرفين يلعب فيها عنصر الرصد دوراً أساسياً بجانب التفعيل الجسدي أو إطلاقه إلي جانب تواتر الحواس نفسها فى محاولة تفسير هذه المدينة الخانقة التي جعلها الكاتب كظاهرة يجدر تفسير تدللها وعصيانها ، أو فلنقل إنها الحياة بشكل أعم .. فمن خلال أربعة إضاءات نفسية – كما راق للكاتب أن يعالجها – ؛ يتشظي الجسد وينتثر ، ثم يعود ليتوحد ويلتئم في مواجهة لحظة الاكتمال لهذه المدينة /الحبيبة/الحياة ؛ كمعادل لحقيقة وجوده واكتماله في لحظة اكتمالها وتحققها .. تلك الحاضرة علي البعد ولا تقترب ولا تختفي ، تلك الكائنة اللا وجود لها مطلقاً ، والتي تنتثر إزاءها مفردات جسده الذي يدب فيه الرغبة لاستعادة الحلم من خلالها .

إن الأمر هنا أشبه ما يكون بتأويل نص شعري من حيث الرؤية الضوئية وليس الشكل كمحتوي ، وفي مثل هذا النوع من القص يقوم المنولوج بخاصية التداعي والتوليد حيث لا وجود لأي فعل حركي درامي ؛ غير الصراع الذاتي المنبت من ذاتية الكاتب تجاه مرماه الأمثل أياً ما كان هذا المرمي أو الهدف ، الأمر لا يعنينا هنا وذلك بخلاف ما انبنت عليه قصة (روبابيكيا) مثلا فإننا نجد الحركة إلي جانب تيار الشعور يولدان نوعاً من الصيرورة المكانية كثالوث البناء القصصي الذي يولد بالتفاعل بين العناصر كلها ذلك الوقع أو الأثر الذي أكدنا عليه سابقاً ، إن التحليل التأويلى يفترض أولاً أن ما في النص قد انفصل عن مؤلفه ، بمعني أن قصده أصبح بعيداً حين أنجز نصه وأطلقه حراً للقراءة ، وإذا كان ثمة قصد في عمليه التأليف فهو لا يكمن في نيات المؤلف : بل في تلك العلاقات المتشابكة بين ظاهر النص وباطنه ، بين الملفوظ والمكبوت ، المقول والمسكوت عنه (7(

وفي قصة (مخلوقات الطين) فلا نزال بين السطور الأولي للقصة حتى نستشعر بالارتداد والنكوص حيث التكوين الأول لعلاقة الطبيعة الثنائية بين آدم وحواء ، وبضمير الأنا يستهل الكاتب قصته مؤكداً رغبته العارمة لأن يعيد تشكيل ملامح أنثاه منذ بدء الكون وكأنه يريد أن يرسم من خلال هذه الأنثى البدائية دليله نحو فك رموز تلك المرأة القاهرة لقوته والمستلبة لكل مقدرات حياته ، إنه يرغب في تكوين جديد للعالم من خلالها ؛ هذا المفهوم الذي دعي الكاتب لتقسيم القصة إلي ثلاثةِ أجزاء مسبوقة بمدخل هو أشبه بالبرولوج المسرحي يصف فيه بلغة التداعي كيف يصل الإنسان لحد الفرقة والدهشة والتوحد في ذاته إزاء وجود يستنفر وجوده فيصير شيئاً نكراً وتتوقف الأرض عن الدوران .

ثم يخوض في القطع الأول صوت غناء يعيد بنوعٍ من التناص للموروث الديني ليقارب بين تكوين المخلوقات
المحبة له وبين ما تخلف بداخله من توجس وخوف وحزن وفقد في صحراءه المديدة .. ربما تكون الرغبة في الحصول على مؤانسة الأخيار .. الوصول إلي يقظة الإدراك لكل بداية تسير وفق منظومته الخاصة وتكويناته الصلصالية الجديدة التي يضمن ولائها في هيامه ونومه .

أما في القطع الثاني ما قالته الأسلاف فهو يمثل بانوراما سريعة وقصيرة للعبث الذي يعيشه الإنسان مما
يدفعه إلي السير نحو الهلاك لأنه لم يستمع إلي مكنوناته التي يظنها الكاتب لا تخطئ بفطرتها والتي تعود لغة تيار
الشعور لتبرز حالة الوهن والضعف والانسياق التي تسيطر على الإنسان في شتى مقاصده ومراميه [ لم تكن ظامئاً للماء وشربت ، لم تكن بحاجة للوجد وعشقت حتى وصلت فتوصلت للنهايات .. الفناء من حولك ] ثم يعود الكاتب بضمير الأنا الفاعل متداركاً فشل خطاه ومحاولاته نحو الانتصار /العودة/التزاوج/التوحد مع قمر الزمان/المؤانسة ، تلك هي الحالة القصصية التي خلت من حبكة القص وعناصره وشابهت عالم القصيدة النثرية وأجوائها الأسطورية والرمزية والميتافيزيقية ، والنفسية ، وقد انتقلت عدوي تلك الحالة في عدد من الحالات القصصية (اسم جديد للألم) ( أحد ما )(الممر)(صورة لا تشبه الأصل)، ففي (الممر) يقف الكاتب في منطقة عدمية أو برزخية شديدة الظلمة ، تنعدم فيها مفردات ومعاني الحياة كالفرح والحزن ينشد فيها الخلاص من
تلك الكتل اللحمية التي يزدحم بها ذلك الممر غير المحاط بإشارة أو علامة تدل عليه صراحة ؛ ربما أراد الكاتب
مفهوماً جديداً للأزمة وهنا تسير المفاهيم وفق الحياة بمناحيها المتعددة ، أو أنه ارتفع لشمولية المعني لما
بعد الحياة فكان عبور الممر هو الوصول الحتمي للخلود [ أجساد تتلاصق .. مشكلة كتلة لحمية رهيبة لكائن هلامي تضربه سياط ملائكة غلاظ في يوم حشر ] .. وقصة (صورة لا تشبه الأصل) تعرج على نفس نمطية افتقاد الحبيبة والدف بمعالجة تيار الشعور أو المنولوج الداخلي حيث تتضح سلبيات عديدة أهمها عدم وجود حدث مؤثر وجديد إذا ما قورنت بقصة (روبابيكا) أو (العلب) أو (آية الصحراء) أو (عزاف النار) أو (العمامة) غير أن (صورة لا تشبه الأصل) تعد تجربة أكثر ذهنية فالكاتب يصنع خداعاً مزدوجاً بوهم الجلوس إلي حبيبته في الكازينو تلك الحبيبة التي تشبه المثل الذي يستكين في ذاكرة الكاتب ولكنه يأخذ تدريجياً في الاختلاف حين تعود الفتاة /الصورة إلي نقطة متواضعة في محيط الكاتب بينما تظل الفتاة/الأصل/المثل باقٍ في مخيلته ودخيلته [سيدة بنات حواء] 0

وكأن الكاتب صراحة يؤكد على أن ليس كل ما يسعي إليه الإنسان يدركه ، وتصبح الحقيقة والواقع على غير شاكلة الحلم أو المثل ، وتنتهي القصة في النهاية على أن الصورة والأصل معاً لا وجود لهما إلا في ذهن الكاتب الذي لا يزال فرداً يضع الطعام لنفسه ويأكل بمفرده . ويبدو أن الملمح الجوهري الذي لا تخطئه العين في هذه العلاقات هو قيامها على أساس نوع من المفارقة التي تؤدي في لحظة معينة إلي حالة من التألق المفاجئ لدي المتلقي ، يدرك عبرها بلون من الأسي الشفيف والدعابة اللطيفة مكمن الدلالة الفنية للقصة ، وربما يتم ذلك بتراكم صنوف عديدة من المفارقات التي تمضي في نفس الاتجاه (8) ..(قول وليام فان اكنور : ننتظر من كاتب القصة أن يلم بحبكة وفن القصة كي يعيننا علي كشف ناحية من نواحي الحياة نجهلها من قبل أو على الأقل لا نعرفها بنفس الصورة التي يبرزها الكاتب . ، إن كل شخصية حية إنما تمثل مبدأ وقوة وحالة وروحاً ، فنجد شخصية اللاعب بالنار أو .. (عزاف النار) وهي قصة المجموعة ؛ نجدها تتميز بحضورها الدائم في المكان وطغيانها على الحدث الواحد ، حيث تسير في إطار تكتيكي بين الواقعة والأثر ؛ ذلك الدرب الذي سارت عليه غالبية المجموعة إن جاز لي أن أستثني فقط قصتين (وهم الصحراء) في التصنيف الأول للمجموعة و (العمامة) في تذييل القائمة وهاتان القصتان سوف يتم إخضاعهما قدر الإمكان للتأويل – منهج هذه الدراسة - ، ولكني أري أنهما يبعدان عن طابع وصبغة المجموعة التي اعتمدت على التوليدية في معظمها أكثر من اللغة السردية والوصف السائد وجعل المكان نمطياً والاحتفاء بالعناصر الكلاسيكية للقصة من موضوع له بداية ووسط ونهاية وتشويق وخلافه .. أما في قصة (عزاف النار) فإن الكاتب ينتحي منحي يشبه الانشطار الحدثي أو الحركي ، والإيهام بأن هناك عالم خاص يقارب الطقوس أو الشعائر من خلال الاستهلال الموحي باستدعاء رمز تراثي ديني وهو (يوسف الصديق) الذي راودته امرأة العزيز عن نفسه فيقول في الجملة الاستهلالية [ إذ يتفرد بغرفته .. تنفرد به ] رغم ما وضح بشكل قوي من شُقَّةٍ وتباعد عن هذا المفهوم أو ذلك التناص حيث تجسدت أبعاد وعوالم شخصية ذلك العزاف مقرونة بالخداع الحركي – وهو جزء من دلالة المعني – فنلاحظ دور التداعيات التي حركت الشخصية من ذاتيتها وأسر جوانيتها إلي آفاق أرحب بتعدد الأمكنة [بحر مويس ، كازينو النهر ، الشوارع على امتدادها ، الأزقة ، الميادين] رغم أن ذلك التجوال البصري ليس إلا تجوالا ذهنياً إيهامياً ؛ وأن العزاف بطبيعة الحال لم يغادر غرفته جالساً وسط حلقة من الأصدقاء الوهميين ، ومن هنا كان لابد من تدارك أن النار التي يعزفها ذلك الرجل هي الحقيقة الوحيدة داخل هذه الحلقة أو الحضرة بالمفهوم (الزاري) وأن الحلم والوهم معاً ينتصبان في كل شيء يقع تحت بصر هذا العازف أو فلنقل : العابث .. وشرط تحقق وجود الإنسان داخل هذه الحلقة – التي تنفرج وتنقبض وتزيد وتنقص – مرهون بالخطر والصعب والتضحية أحياناً ..
إن أنسنة العلاقة بهذه الكيفية من شأنه أن يقترب بهذه الشخصية (الهاملتية) نوعاً إلي دائرة الصراع الجواني
بأبعاده النفسية الحادة وبعيداً عن الموقف الدراماتيكي والتشنجات تؤكد القصة أن الإنسان في كل نزعاته الإنسانية
نحو الوصول إلي الانتماء ، الحب ، التواجد ، السيطرة ، التفوق ، التوافق النفسي والحسي معاً ، لابد أن يكون
عزافاً ماهراً للنار أولاً وقد لا يصل في النهاية ، إن فلسفة هذه القصة تشابه إرادة (شيخ) همنغواي أو إرادة
(سيزيف) في تكرار المحاولة وهما طابعا الحياة التي يعنيها مفهوم الإرادة والاستمرار ودون الانجراف مع
عبارات القصة المدموجة الناقصة أحياناً بفعل نفسي سيطر على الكاتب ، ودون الانخداع البصري بتعدد المكان أو الإيحاءات الحوارية ، وهو منحي أشبه ما يكون بأدب الصمت والفراغ ..

يقول بعض النقاد المحدثين إن نموذج القصة القصيرة الذي يمكن له أن ينطبق بشكل ما على جميع الحالات يتمثل في ثلاث نقاط : حالة توازن في العلاقات القائمة بين الأطراف لا يلبث أن يعتريها خلل ما يعصف بهذا التوازن ، ثم تأخذ الحياة دورتها ويعود توازن من نوع جديد مخالف لما كان عليه الأمر في الحالة الأولي (9)0

نجد هذه العلاقات كذلك في قصة (العلب) ولكننا نلحظ هنا أن الكاتب لم يصنع ذلك التوازن الداعي لاستقامة الحياة ، وقد دعي لتيار الشعور واستسلم لبعض المشاهدات التفصيلية لليوم الواحد في ظل الضيق والبيروقراطية والتلوث والقاذورات والازدحام والخطر ، والضعف في مواجهة ذلك الخطر من خلال تلك الجولة التفصيلية المقرونة بالتبعة والمشبعة بشهوة الخلاص من تلك العلب لكنه بدلاً من أن يبشر بالإصلاح من خلال القصة نجده يستسلم لهذه السطوة من المشاهدات فيشعر بضيق العالم حواليه في مقابل شسوع أحلامه وتعددية رغباته في حيزٍ أشبه بالعلب 0

وكما يؤكد د. صلاح فضل أنه من الصعب على المتلقي أن يستجلي هذا النموذج بيسر في بعض الحالات لمرهقة الدقيقة نتيجة للحرية القصوي التي يتمتع بها المبدع في اختيار وسائل العرض وزوايا التصوير وضبط إيقاع الأحداث وتغطيته لمساحاتها الزمنية ، لكن تظل أمامنا فرصة للكشف عن البنية القصصية عن طريق تحليل العلاقة بين مستويين ، الأول مباشر : وهو طريقة تتابع القول القصصي في سطور مكتوبة أمامنا وتراوحه بين وصف المكان والشخصيات ، وسرد الحكايات والأحداث ، وإقامة الحوار التمثيلي بين الأطراف ، والمستوي الثاني غير مباشر : وهو العالم الذي تتصوره نتيجة لهذا القول وطريقة انتظامه في مراتب تتكيف طبقاً لعلاقته بالمستوي الأول وما يفضي به من بيانات جمالية وعناصر قيمية (10( و قصة (درجات متعاقبة) من القصص ذات الطابع اللغوي /الحركي الهادئ ، فالعنوان يوحي بهذا الانتظام في العلاقات الداخلية للحدث الذي يتصاعد من خلال شخصيتي بائع الكتب ، والشاب الذي يشتري مكتبة من الكتب يمتلكها رجل آخر يسكن أحد الطوابق العالية ، فيتوسط بائع الكتب وتتم البيعة وتنتقل المكتبة كلها عدا (رواية) اشترط البائع أن يحتفظ بها ، ومع انتقال الكتب من الطابق العالي عبر هذه الدرجات المتعاقبة تتبدل الكتب النادرة الأصيلة إلي المجلات والإصدارات المبتذلة والكتب التجارية ، وكأن الكاتب يجسد التردي الذي يتعرض له الكتاب كمعادل للعقل وما يحيط به من محاولات لتدميره وفناءه ، ..

وفي قصة ( العمامة) بتقليدية السرد وعفوية المعالجة فإنها قد ارتكزت على المشهد الجنائزي عبر الطقس الريفي
المعهود – والذي أجاده الكاتب لحد بعيد – فكانت الجنازة حارة جداً ؛ والميت هو الحلم ، هو الأمل ، هو العزيمة، هو الغد .. أو لنقل هو (العمامة)/المعادل ، حيث يروي الكاتب بالشكل السردي الطبيعي كيف مات الحلم الذي يشبه ذلك الصبي الصغير الذي يلعب هو وأطفال القرية ثم تجذبهم حركة الجنازة وصوت الطبول نحو تتبع الحشد الذي تتقدمه السيدة /الأم حاملة بين يديها الجثة/ العمامة /الحلم ، وتنعي ولدها في تردد أصوات الأخريات في الخلف [ ابكي عليه وعددي ، دا كان مقامي ومشهدي ] ، وبينما يتم الحفر لدفن الجثة يقفز الصبي والأولاد ويختطفون العمامة ويجرون بها بعيداً عبر حقول البرسيم ، وفي هذه اللحظة بالذات تصمت الطبول الجنائزية ، وتكفكف الأم دمعها بكم جلبابها وهي تنظر الأولاد الفرحين بالعمامة .

ولاشك أن هذا الطابع يجعلنا نرتد لعالم القص عند يوسف إدريس ذلك العالم المشبع والغني بالتقنيات الدلالية
والتأويلية والقيمية الرائعة والذي غاب في هذا الجيل لحساب تقنيات أخري تصاعدت بوازع التجديد وابتكار وسائل جديدة وتقنيات أخري للقص ، وربما أراد الكاتب في هذه القصة وهي آخر قصة في مجموعته (عزاف النار) أن يجعلها المعادل الموضوعي المشترك الأوحد لكل مشاهداته القصصية السابقة ، على الرغم من التحفظ على تقليدية القص بها مما ينحيها في ركن خاص بعيداً عن منهجيتنا التي أشرت إليها سابقاً على أنها ستعني بالمقام الأول على التوالد والتأويل وإنتاج الدلالات والرؤي القصصية الموازية من خلال خيط المنولوج الذي استساغه العربي عبد الوهاب فأبحر به داخل تيار شعوره فكانت رؤاه القصصية رؤي عامة وشمولية تماماً كتفعيل النص الشعري باختلاف المعالجة ، ومحاولة أنسنة العلاقات مما استجلب معه ضرورة النظر إلي
قصص المجموعة من منظار نفسي دقيق متغاضياً عن تطابق عناصر القصة الأساسية لهذه النصوص باعتبارها تحمل هماً نفسياً وإنسانياً مشترك مما يمهد الدخول إلي المجموعة كسلسلة منفصلة متصلة لمشاهد عديدة تمر مسرعة صامتة على كادر يبرز - من خلال التتابع النفسي للأحداث المتعاقبة - عدة حالات تسيطر على شخص واحد لكنها تحتفظ لنفسها بالتجدد المستمر والقابلية للتأويل تاركة في نفس القارئ أثراً باقياً 0


v v v


الـهــــوامـش:

(1) عزاف النار / قصص ، العربي عبد الوهاب .. الهيئة العامة لقصور الثقافة /إبداعات ، العدد 75 ، منتصف
ديسمبر 1998.
(2) البئر والعسل / كتابات معاصرة في نصوص تراثية ، حاتم الصكر /الهيئة العامة لقصور الثقافة ، كتابات نقدية (69( ص 163 .
(3) السابق .
(4) موت الأحلام في زهرة البستان / د. عبير سلامة ، مجلة القصة ، عدد 97 ، يوليه . أغسطس . سبتمبر 1999 .
(5) ما وراء الواقع / ادوار الخراط . هيئة قصور الثقافة، كتابات نقدية ، التخاييل في فن القصة ص 65 .
(6) الحلقة المفقودة في القصة القصيرة / د. سيد حامد النساج ، الهيئة العامة لقصور الثقافة ، كتابات نقدية(1) ، ص 16 ، أغسطس 1990 .
(7) البئر والعسل / مرجع سابق ، ص 8 .
(8) إنتاج الدلالة الأدبية / قراءات في الشعر والقصة والمسرح / د. صلاح فضل ، هيئة قصور الثقافة ، كتابات
نقدية ص 142 .
(9) السابق ص 141 .
(10) السابق .





نقلا عن موقع الذاكرة الثقافية

ليست هناك تعليقات: